القائمة الرئيسية

الصفحات

الهندسة الوراثية الآمال و الآلام و الأغذية المعدلة وراثيا

 الهندسة الوراثية تعيد تشكيل مستقبل الحياة  

الهندسة الوراثية و النباتات المعدلة وراثيا

مقدمة: قوة التحكم في شفرة الحياة.

تعتبر الهندسة الوراثية تقنية حيوية ثورية جديدة أعادت تعريف قدرتنا على تعديل أسرار الحياة في مستواها الجزيئي أى في مستوى الجزيئات. فهي تمكن العلماء من إجراء تعديلات دقيقة في المادة الوراثية للكائنات (الحمض النووي DNA ) عبر إضافة جينات أو حذفها أو تعديلها، بهدف خلق صفات مستهدفة بفعالية غير مسبوقة أو صفات لن تكن موجودة من قبل. بدأ من مجال الزراعة إلى مجال الطب، تمتد تطبيقاتها لتحقيق إنجازات تحويلية تعيد تشكيل مستقبلنا.  

رحلة الهندسة الوراثية من تقنية "المقص" إلى تقنية"المشرط الجزيئي  

انطلقت الثورة في سبعينيات القرن الماضي مع تقنية *الحمض النووي المؤتلف* التي سمحت للعلماء بـ"قص و لصق" أجزاء الحمض النووي بين الكائنات. لكن القفزة النوعية حدثت بظهور تقنية أطلق عليها أو تعرف *كريسبر-كاس9* (CRISPR-Cas9) التي حولت المجال إلى مستوى جديد و أخذ منحنى أخر أكثر دقة و أكثر مجالا: فهي تتيح التعديل الجيني بدقة متناهية، كـ"مشرط جزيئي" يعدل جينات محددة بسهولة و كفاءة. هذا التحول من الأدوات الواسعة إلى الأدوات فائقة الدقة يمهد لمستقبل تصبح فيه التعديلات الوراثية أسرع و أقل تكلفة مما يجعل النهوض بمجالات كثيرة من مجالات الحياة أمرا سهلاً أو متاحاً كما سنذكر بعد قليل. 

كيف تعمل الهندسة الوراثية؟  

تعتمد الهندسة الوراثية على حقيقة أن الشفرة الوراثية لغة عالمية كيف ذلك أى أن جين من بكتيريا يمكنه العمل في خلية بشرية! 

هذا يتيح نقل الصفات بين كائنات غير متقاربة، متجاوزاً بذلك حدود التكاثر الطبيعية و الحواجز الفسيولوجية و الهستولوجية بين الكائنات الحية بعضها البعض.

تطور الهندسة الوراثية 

يشهد تطور الهندسة الوراثية تسارعًا مذهلاً و تطورا بصورة غير مسبوقة. 

فمن تقنيات *الحمض النووي المؤتلف* في السبعينيات (التي اعتمدت على 'قص ولصق' الجينات) إلى أدوات دقيقة مثل *كريسبر-كاس9* (القادرة على تحرير و تعديل الجينات بدقة كبيرة جدا)، 

تتوسع قدرتنا على هندسة الحياة بوتيرة غير مسبوقة. هذا القفز من الأدوات العامة إلى الأدوات المتخصصة لا يقلل فقط من الأخطاء الجانبية في التعديل الوراثي، بل يفتح آفاقا جديدة لم تكن متاحة من قبل مما يجعل العلماء تعقد الآمال عليه فى مجالات الحياة المختلفة.

التحديات الأخلاقية للهندسة الوراثية 

إن هذا التسارع التقني في مجال الهندسة الوراثية يفرض تحديات كبيرة: فبينما تتقدم التكنولوجيا بخطى ثابتة، قد يؤدى ذلك تتأخر الضوابط الأخلاقية والأطر التنظيمية والقبول المجتمعي عن اللحاق بها. هذه الفجوة تُنذر بمخاطر حقيقية؛ إذ تصبح القدرة على التعديل الجيني متاحة قبل أن ندرك كمجتمع كيفية توظيفها بمسؤولية.   

لذا، وجب الحوكمة في هذا المجال  أى تدخل الحكومات لوضع سياسات استباقية أخلاقية  ضمانا لابتكار مسؤول يحمي البشرية من تداعيات غير محسوبة قد تنتج من الاستخدام الغير منضبط و الغير المحسوب لهذه التقنية.

تعريف الهندسة الوراثية: المبادئ المنهجيات

تتضمن الهندسة الوراثية في جوهرها التعديل المتعمد للمادة الوراثية (الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي) للكائن الحي لإدخال سمات جديدة أو تغيير السمات الموجودة. 

يتيح هذا التلاعب المباشر، الذي يختلف عن التربية و الطرق التقليدية، نقل الجينات بين الأنواع غير ذات الصلة، متجاوزاً بذلك الحواجز التناسلية الطبيعية. يعتمد المبدأ الأساسي على عالمية الشفرة الوراثية، مما يعني أن الجين من كائن حي واحد يمكن أن يعمل داخل كائن آخر، مما يتيح التعبير عن البروتينات أو السمات المرغوبة.

التقنيات و الأدوات الرئيسية

لقد تطورت الهندسة الوراثية من تقنيات بدائية إلى أدوات متطورة للغاية، مما زاد من دقتها و كفاءتها.

تقنية الحمض النووي المؤتلف: تُعد هذه التقنية التأسيسية، التي رُوج لها في سبعينيات القرن الماضي، عزل جين معين من كائن حي و إدخاله في الحمض النووي لكائن آخر، غالباً باستخدام البلازميدات البكتيرية كنواقل. تتضمن العملية عادةً استخدام إنزيمات التقييد لقطع الحمض النووي عند تسلسلات محددة و انزيم ليغاز الحمض النووي لربط الشظايا أو أجزاء الهجينة. كانت هذه الطريقة حاسمة للتطبيقات المبكرة مثل إنتاج الأنسولين.

نظام كريسبر-كاس9 (CRISPR-Cas9): 

يمثل نظام كريسبر-كاس9 (التكرارات المتناظرة القصيرة المتباعدة بانتظام و المجموعات المتصلة ببروتين كريسبر 9) قفزة نوعية، فهو أداة ثورية لتحرير الجينات تعرف بدقتها و كفاءتها و سهولة استخدامها النسبية. 

يسمح للعلماء بإجراء تغييرات مستهدفة للغاية في الحمض النووي، بما في ذلك إضافة جينات معينة أو حذفها أو تعديلها. يستخدم هذا النظام جزيء الحمض النووي الريبوزي الموجه لتوجيه إنزيم كاس9 إلى موقع دقيق في الجينوم، حيث يمكنه قطع الحمض النووي، مما يتيح آليات الإصلاح اللاحقة لإدخال التغييرات المرغوبة.

أدوات تحرير الجينات الأخرى:

بينما يهيمن نظام كريسبر-كاس9 علي عمل الهندسة الوراثية فإن هناك أدوات أخرى مثل نوكليازات TALENs (Transcription Activator-Like Effector Nucleases) ونوكليازات ZFNs (Zinc-Finger Nucleases) تُسهل أيضًا تعديل الجينات المستهدف، على الرغم من أنها غالباً ما تكون أقل كفاءة أو دقة من كريسبر. 

تمكن هذه الأدوات مجتمعة العلماء من التلاعب بالمخطط الوراثي بتحكم غير مسبوق أو بمعنى آخر ادخل و تعديل الحمض النووي.

إن الانتقال من تقنية الحمض النووي المؤتلف، التي كانت بمثابة "قص و لصق" أجزاء كبيرة من الحمض الوراثي، إلى أدوات حديثة مثل كريسبر-كاس9 التي تسمح بـ "التحرير الدقيق"، يشبه الانتقال من معالج نصوص عام يمكنه نسخ و لصق كتل كبيرة من النص إلى محرر متقدم للغاية بوظيفة "بحث و استبدال" دقيقة. تزيد دقة كريسبر بشكل كبير من تقليل التأثيرات غير المستهدفة و تزيد من معدل نجاح التغييرات الوراثية المرغوبة، مما يجعل التعديلات المعقدة أكثر جدوى. 

علاوة على ذلك، تشير "سهولة الاستخدام النسبية" لكريسبر إلى أن الهندسة الوراثية أصبحت أكثر سهولة لمجموعة أوسع من الباحثين و ربما حتى للمختبرات الصغيرة. تؤدي هذه الدقة المتزايدة و سهولة الوصول إلى توسيع نطاق التطبيقات المحتملة، متجاوزة إدخال الجينات الأساسي إلى تعديلات أكثر دقة، مثل تصحيح الطفرات النقطية الفردية لعلاج الأمراض (مثل فقر الدم المنجلي). و من الملاحظ أنه لا يؤدي هذا التحول إلى تسريع الاكتشاف العلمي فحسب، بل يكثف أيضًا التحديات الأخلاقية و التنظيمية التى تحكم هذا المجال مجال الهندسة الوراثية، حيث يمكن لعدد أكبر من الباحثين إجراء تعديلات وراثية أكثر تعقيدا، مما يزيد من احتمالية الاستخدامات المفيدة للهندسة الوراثية.

التطبيقات الحالية للهندسة الوراثية

لقد أحدثت الهندسة الوراثية تحولا في قطاعات متعددة، مقدمة حلولا مبتكرة لتحديات عالمية.

أ. التطبيقات الطبية  والصيدلانية

لقد أحدثت الهندسة الوراثية ثورة في الطب، مقدمة مقاربات غير مسبوقة لعلاج الأمراض و الوقاية منها.

العلاج الجيني: يتضمن هذا استبدال الجينات المعيبة بجينات سليمة لعلاج الأمراض الوراثية. لقد أحرز تقدم كبير في علاج حالات مثل فقر الدم المنجلي و بعض أنواع السرطان باستخدام علاجات تعتمد على كريسبر. تشمل النجاحات المبكرة علاجات نقص المناعة المشترك الشديد (SCID) و داء ليبر الخلقي في العين.

إنتاج الأدوية و اللقاحات:

 تستخدم الكائنات الدقيقة المهندسة وراثيا على نطاق واسع لإنتاج البروتينات العلاجية مثل الأنسولين البشري، و هرمونات النمو، و لقاحات مختلفة. يضمن هذا النهج التكنولوجي الحيوي إمدادًا ثابتاً و آمنًا و قابلًا للتطوير من الأدوية الحيوية.

التشخيص:

 تُعد أدوات الهندسة الوراثية جزءًا لا يتجزأ من تطوير اختبارات التشخيص المتقدمة، مما يتيح الكشف السريع و الدقيق عن مسببات الأمراض و الاستعدادات الوراثية للأمراض.

التطبيقات الزراعية

لقد غيرت الهندسة الوراثية الزراعة من خلال تعزيز مرونة المحاصيل و قيمتها الغذائية، و معالجة تحديات الأمن الغذائي العالمي.

Genetic Engineering

تحسين المحاصيل: 

يشمل ذلك تطوير محاصيل مقاومة للآفات و مبيدات الأعشاب و الضغوط البيئية مثل الجفاف. و من الأمثلة على ذلك قطن Bt، المصمم لإنتاج مبيد حشري طبيعي، مما يقلل الاعتماد على المبيدات الكيميائية.

التعزيز الغذائي:

 يمكن للتعديل الوراثي تحسين المحتوى الغذائي للمحاصيل، مثل الأرز الذهبي، المصمم لإنتاج بيتا كاروتين (مقدمة لفيتامين أ) لمكافحة نقص فيتامين أ في البلدان النامية.

تحسين الثروة الحيوانية: 

بالإضافة إلى المحاصيل، تُطبق الهندسة الوراثية على الثروة الحيوانية لتحسين معدلات النمو، ومقاومة الأمراض، وتعزيز الإنتاجية.

هندسة الإنزيمات:

 تُستخدم الكائنات الدقيقة المعدلة وراثيًا لإنتاج إنزيمات لتطبيقات صناعية مختلفة، بما في ذلك المنظفات والمنسوجات وتجهيز الأغذية. غالبًا ما تكون هذه الإنزيمات الحيوية أكثر كفاءة وصديقة للبيئة من البدائل الكيميائية.

إنتاج الوقود الحيوي: 

تلعب الهندسة الوراثية دورًا في تطوير مصادر الطاقة المستدامة، مثل إنتاج الوقود الحيوي من الطحالب والكتلة الحيوية الأخرى. يوفر هذا بديلا مجددا للوقود الأحفوري. 


***********************


***********************

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع